اقتصاد العالم في 2018 .. فعل ورد فعل والأسواق ضبابية

صحيفة الاقتصادية السعودية

منذ بدايته، لم يخل عام 2018 من الزخم الاقتصادي وتأكيدات الخبراء والمؤسسات الدولية على أنه عام فاصل وبداية لمرحلة جديدة للاقتصاد العالمي، إلا أنه بوضع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أصبعه على زناد الحرب التجارية بإعلان رسوم جمركية على الصين، ورد بكين عليها برسوم مماثلة، دفع الأسواق إلى حالة من الضبابية وسط حذر وارتياب المستثمرين.
وكان للفعل الأمريكي ورد الفعل الصيني، أصداء واسعة في أسواق العملات والمعادن والنفط والتجارة الدولية، فالكل أصبح مترقبا مع تضارب التوقعات وعدم وضوح المسار الذي بات أبرز سمات العام وربما العام المقبل.
وعلى الرغم من أن الحرب التجارية لم تتفاقم مع عقد هدنة بين الاقتصاديين الأكبر في العالم، إلا أنها دقت أجراسا لم يعتد العالم على سماعها، وجعلت المنظومة الاقتصادية العالمية تعيد حساباتها من جديد، لكن إلى أين؟ الجميع لا يعلم، فالأسواق مرتبكة والمؤشرات متضاربة وحالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية تسود.
ولتفسير هذا الوضع، يقول لـ"الاقتصادية" باركر جيم المحلل المالي في "بورصة لندن"، "ما حدث خلال هذا الأسبوع يوضح أحد الملامح الرئيسة للاقتصاد العالمي هذا العام، فعدم الاستقرار وافتقاد الأسواق القدرة على قراءة المؤشرات المختلفة، يشير إلى حالة من عدم الثبات والحساسية الشديدة للمتغيرات الاقتصادية من قبل البورصات والمستثمرين ".
ويضيف جيم، أن انخفاض البورصات أو ارتفاعها بهذا التفاوت الضخم وخلال فترة زمنية قصيرة للغاية، يؤكد أن الاقتصاد الدولي في حالة من الارتباك الناجم عن عدم وضوح المسار، وتضارب التوقعات، خاصة في ظل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.
فيما يعزو الدكتور سيمون جيري؛ أستاذ الاقتصاد الكلي السابق في جامعة ليدز، فقدان الاقتصاد العالمي للزخم الذي تجلى في بداية العام إلى قيام الاقتصادات الكبرى بتطبيق تعريفات جمركية مرتفعة، استتبعها إجراءات انتقامية.
ويشير في حديثه لـ "الاقتصادية" إلى أن" تنامي نبرة الحمائية التجارية، رفع من أسهم عدم اليقين بشأن السياسة التجارية الدولية، وأثر في التوسع الاستثماري، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الاقتصاد الصيني يمر بعملية إصلاح داخلي للتحول من اقتصاد معتمد على التصدير، إلى اقتصاد يعتمد على الاستهلاك الداخلي، مشابها بذلك الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، فإن الحرب التجارية التي شنتها واشنطن، أربكت الاقتصاد الصيني، ومعه عدد كبير من الاقتصادات الناشئة، التي تعتمد على الأسواق الصينية لرفع معدلات النمو بها".
لكن الحرب لم تقف عند حدود التشنجات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إذ كان لها أصداء واسعة في سوق العملات، وبدت الاقتصادات الكبرى في كثير من الأحيان، وكأن قادتها قد وضعوا أصابعهم على الزناد، استعدادا لإطلاق حرب عملات واسعة النطاق، إلا أن هذا لم يحدث بسبب تحذيرات المؤسسات المالية والدولية الكبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، من أن حربا من هذا القبيل قد تجعل المنظومة الاقتصادية العالمية ككل عرضه للانهيار.
ولم تحل تلك المخاوف والحرب التجارية المستعرة بين الصين والولايات المتحدة، دون توسع الاقتصاد الأمريكي بوتيرة سريعة هذا العام، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى الإصلاحات الضريبية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إذ أسهمت التخفيضات الضريبية في رفع معدلات الإنفاق، ومن ثم تنشيط الطلب المحلي، ولعب هذا التحسن الدور الرئيس في خفض معدلات البطالة إلى مستويات لم تشهدها الولايات المتحدة منذ نصف قرن، كما عززت من خطوات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع معدلات الفائدة.
وقد أحدثت قرارات الفيدرالي حالة من التوتر مع الرئيس ترمب، من منطلق قناعته بأن رفع الفائدة يعزز من قيمة الدولار، ومن ثم يضعف القدرة التصديرية للولايات المتحدة، إلا أن هذا لم يمنع كل من الرئيس والمسؤولين في الفيدرالي على التأكيد على استقلاليته.
أدرن إكاي الباحث الاقتصادي في جامعة "سانت أندروز"، يرى أن العوامل التي ساعدت على تحقيق الانتعاش في بعض فترات هذا العام، ومن أبرزها موجة الإنفاق الضخمة في الإدارة الأمريكية، والانتعاش المتأخر في منطقة اليورو، اقتربت من نهايتها مع قرب انتهاء العام الجاري.
ويفسر ذلك لـ "الاقتصادية"، قائلا، "بشكل عام، الاقتصاد العالمي سيتجه إلى مرحلة من النمو البطيء، فلن يتجاوز النمو العالمي العام المقبل 3.5 في المائة، مقابل توقعات بأن يبلغ هذا العام 3.7 في المائة، والولايات المتحدة التي قادت الصعود سيتراجع معدل نموها من 2.9 في المائة الى 2.7 في المائة ".
ويضيف إكاي أن "ارتفاع معدل النمو المتحقق في الولايات المتحدة وارتفاع أسعار الفائدة، أسهما في رفع سعر صرف الدولار أمام معظم العملات في هذا العام، ولذلك تأثير اقتصادي سلبي خاصة في الاقتصادات الناشئة".
وفي الواقع، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار، ترك بصمات سلبية على أداء مجموعة ملحوظة من الاقتصادات الناشئة، إذ رفع من تكلفة الإقراض بالنسبة لها، وأدى إلى تراجع ملحوظ في قيمة عملتها، وربما كانت تركيا والأرجنتين من أبرز الاقتصادات الناشئة التي تعرضت لتلك الضغوط.
ويعد عديد من الخبراء أن الاقتصادات الناشئة وقعت في عام 2018 بين تبادل إطلاق النار بين الولايات المتحدة والصين نتيجة الحرب التجارية من جانب، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية من جانب آخر، وأدى ذلك إلى تفاقم مشكلاتها متمثلة في ارتفاع اعباء الديون مقيمة بالدولار، وبروز صعوبات في السيولة المالية وتدفقات رؤوس الأموال، وتزايد العجز في الميزان التجاري.
ويقول لـ "الاقتصادية"، جون هاري الرئيس السابق لقسم العلاقات الدولية في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إنه "لا يمكن أن ننكر أن عديدا من الاقتصادات الناشئة واجهت هذا العام أوضاعا صعبة، الاستثناء ربما يحدث في البلدان الغنية بالموارد، أما بلدان مثل تركيا، فإن عملتها لا تزال عرضة لمزيد من الاهتزاز، خاصة إذا واصل الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة، ومن المتوقع أن تشهد تركيا تنامي العجز في الميزانية العامة، وهذا سيحد من تدفق الاستثمارات الدولية لديها".
وحول أداء الاقتصاد الإيراني، يرى هاري أن " تدهور الوضع الاقتصادي في إيران هذا العام كان شديد الوضوح، وأحد مظاهره تتمثل في تأخر القيادة الإيرانية في الإعلان عن الميزانية العامة، ومن المؤكد أن طهران ستشهد أزمة سيولة وانخفاضا كبيرا للعملة الوطنية العام المقبل".

الوكيل الحصري في اليمن: شركة مسلم التجارية