سعر اليوان موضوع جوهري في المفاوضات الأمريكية الصينية

التنمية برس: متابعات

جعلت الولايات المتحدة من سعر اليوان موضوعا جوهريا في مفاوضاتها التجارية مع الصين، خشية أن تقوم بكين بتخفيض قيمة عملتها لدعم صادراتها، غير أن ضبط سوق الصرف في الصين يعكس في الحقيقة واقعا أكثر تعقيدا.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي التوصل إلى تسوية مع الصين "حول عملتها"، وهو الذي يتهم العملاق الآسيوي بالتلاعب بمستوى اليوان لزيادة تنافسية منتجاته.
وتحدث وزير الخزانة ستيفن منوتشن عن "اتفاق تاريخي" فيما أوضح المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كادلو الخميس أن واشنطن تريد بصورة خاصة إرغام بكين على لزوم الشفافية حول تدخلها في سعر العملة الوطنية.
لكن المطالبة بسعر "مستقر" لليوان تنطوي على مفارقة. فلا مصلحة للصين بالضرورة في أن تكون عملتها ضعيفة، والضغوط نحو خفض قيمة اليوان نابعة إلى حد بعيد عن الأوضاع السائدة في الولايات المتحدة وعن رفع معدلات الفائدة الأميركية.
يرى صندوق النقد الدولي أن الصين لم تقم بتخفيض قيمة اليوان. فقد أعلنت المؤسسة المالية في أيار/مايو 2015 أن قيمة اليوان "ليست مخفّضة"، ثم عادت وأكدت في تموز/يوليو 2018 أن سعر اليوان "المستقر بالإجمال" يعكس "بصورة إجمالية المعطيات الأساسية" للاقتصاد الصيني.
كما أكدت الخزانة الأميركية نفسها بانتظام أن بكين لا تتلاعب بعملتها، ولو أن النظام الشيوعي يقوم حكما بضبط تقلبات اليوان.
لا يمكن تحويل العملة الصينية بحرية، فلا يمكن لسعرها أن يتراوح مقابل الدولار إلا في هامش 2% حول سعر محوري يحدده يوميا البنك المركزي الذي ليس مؤسسة مستقلة، خلافا للمصارف المركزية الغربية.
وهذا ما يحد من إمكانية تقلب اليوان الذي بقي سعره خلال السنوات الخمس الأخيرة بين 6,2 و6,8 يوان للدولار الواحد، وهو مستوى مرتفع تاريخيا بالمقارنة مع حوالى 8 يوان للدولار في العقد الأول من الألفية.
وارتفع سعر اليوان بحوالى 6% عام 2017، لكنه عاد وتراجع 5,7% في 2018 مسجلا أدنى مستوى تاريخي له منذ عقد، ما حرك المخاوف من أن تكون بكين افتعلت هذا التراجع.
غير أن المحللين يعزون تراجع قيمة اليوان إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني والحرب التجاري الجارية، إضافة إلى رفع الاحتياطي الأميركي معدلات الفائدة، وهو قرار يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع سعر الدولار ويجعل الأصول بالدولار جذابة أكثر منها بالعملات الأخرى.
- كيف تضبط بكين سعر عملتها؟
تحدد بكين يوميا سعرا محوريا لليوان يمكن لعملتها أن تتقلب حوله.
ويفترض أن يستند هذا السعر المحوري إلى السوق، لكن البنك المركزي الصيني يقول منذ آب/أغسطس أنه يأخذ كذلك بعامل تصحيح "لمكافحة تقلبات الدورات الاقتصادية" ، يهدف إلى الحد من تأثير "العوامل الاستثنائية" والحفاظ على "سعر متوازن".
وهزت الصين الأسواق العالمية في آب/أغسطس 2015 إذ خفضت سعر اليوان 5% خلال أسبوع واحد، وبررت بكين ذلك بعزمها على أن يعكس سعر اليوان مستواه الفعلي تمهيدا لدمج العملة الصينية في وحدة حساب صندوق النقد الدولي.
وأثار ذلك القرار هلع المستثمرين وأدى إلى هروب كميات هائلة من الرساميل خارج الصين (650 مليار دولار عام 2016)، ما زاد من حدة تراجع اليوان.
وقام البنك المركزي الصيني عندها بالتدخل بشكل نشط لوقف تدهور قيمة العملة الوطنية، راصدا مبالغ طائلة من احتياطات الصرف الهائلة لديه من أجل شراء اليوان وبالتالي دعم سعره. وفي هذا الصدد، تبقى احتياطات العملات الأجنبية البالغة 3100 مليار دولار في نهاية كانون الثاني/يناير، سلاحا في غاية الأهمية بيد بكين.
كذلك قام البنك المركزي الصيني في 2015 بتشديد الرقابة على حركة الرساميل سعيا لاحتواء الضغوط على اليوان.
يدعم سعر صرف متدن لليوان الصادرات الصينية، ما قد يعوض جزئيا عن مفاعيل الحرب التجارية او عن الارتفاع الشديد في سعر العمالة في الصين.
غير أن بكين تؤكد أنها تريد الحفاظ على استقرار عملتها، وفي حال التوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن، قد تتحرك لتفادي أي انخفاض حاد وسريع في سعر عملتها.
والواقع أن الصين لا مصلحة لها في أن يكون سعر اليوان متدنيا جدا، إذ أنه قد يحفز حركة هروب الرساميل إلى الخارج، الأمر الذي ينعكس سلبا على الاقتصاد.
كما أن تدني سعر اليوان قد يضر بجهود بكين لفرض عملتها كعملة دولية واجتذاب المستثمرين الأجانب إلى أسواقها.
ولفت المسؤول السابق في الخزانة الأميركية مارك سوبيل إلى أنه إن ركزت بكين وواشنطن جهودهما على "استقرار" اليوان، فإن الظروف "جاهزة" من أجل التوصل إلى ذلك. فالاحتياطي الفدرالي أوقف زيادة معدلات الفائدة، فيما الاقتصاد الصيني يبدي مؤشرات استقرار بفضل التدابير التي اتخذها النظام لتحفيز الاقتصاد.

الوكيل الحصري في اليمن: شركة مسلم التجارية