*نحو إستعادة الدولة في اليمن*

عزالدين سعيد الأصبحي

تسير الأمور في اليمن بشكل واضح
لترسيخ مسار الدولة الدينية بكل أبعادها بسبب ترسيخ واقع سلطات الأمر الواقع ومالم يتوقف هذا المد سيغدو واقعا مقلقا لمحيطه العربي وليس اليمني فقط
فالأمر واضح في خطاب ومنهج الحوثي وتسييره للأمور وتغيير المؤسسات.
ما فجر الأمر على مستوى واسع إصدار لائحة تنفيذية للجباية

حيث أصدر الحوثي اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة في 30 أبريل الماضي
و جاءت اللائحة التنفيذية الجديدة لقانون الزكاة والذي سنها الحوثي بصفته سلطة الأمر الواقع بالعاصمة صنعاء لتقر تشريع يقر بدفع خُمس الثروات الوطنية لصالح فئة إجتماعية معينة تدَّعي وضعها الخاص المنتسب لسلالة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

فتلك نتيجة المقدمات لأسس منهج أُعلن بوضوح بشكل مبكر وليس في الأمر أي مواربة أو تزييف.

عبدالملك الحوثي خطابه الديني مُعلن، ومؤسساته تنشأ على هذا الأساس، والمحيط المجتمعي المؤيد لذلك موجود حوله.
ومن الوهم قول غير ذلك، ومن غير المنطقي أن نندهش عندما يصدر أمر تكميلي متمثل في صدور لائحة تطالب بدفع عشرين بالمائة من كل شيء له وننسى الخطوات الأصل !!

بقليل من الهدوء ...
هذه نقاط أساسية تعامل معها الناس كمسلمات والأن يتعامل معها المحيط الخارجي أيضا وهذه هي الكارثة:

1. شكل سلطة الأمر الواقع في صنعاء ( يسميها الحوثيون دولة) معلنة منذ سبتمبر 2014
وتقوم على أن هناك قيادة مقدسة ( هي عبدالملك الحوثي ) خارج إطار أي مؤسسة مدنية أو حتى دينية
هي قيادة مقدسة لاتمس ولايسمح باي سؤال حولها ومن أين تستمد قوتها ولماذا تتحكم بالبلاد والعباد.

إعلاميا يطلق أحيانا عليه قائد الثورة ولكن غالبا مايُكرس مصطلح وحيد هو ( السيد ) وهنا لايقصد فقط بُعده السلالي كشخص يقول إنه هاشمي ( بهذه النقطة هناك تحفظات جدية )
الأهم هنا أن لفظ ( سيد ) مزيج من قداسة دينية وسلطة تفوق التحكم بأمور الناس، إنه أبعد من المرشد نائب الإمام لدى الإثنا عشرية إلى الإمام ذاته.

لذا لا توصيف لمركز وموقع عبدالملك الحوثي في اليمن عند أتباعه هو - القائد- السيد- المالك
ودونه كل توصيف ومنصب هباء.

2. تكريس الغياب المقدس بغموض شفاف فهو لا يظهر إلا عبر بث تلفزيوني مسجل لمناسبات معينة
وحتى لقاء المسؤولين الدوليين يتم عبر هذه الدائرة التلفزيونية ولايسمح لهم بالصور أو الحديث عن كيف تم اللقاء وأين؟؟

3. . وصل الترويض إلى الخارج الدولي فكل طرف دولي لديه منفعة عليه القبول بهذه المعايير من قدسية الذات الحاكمة المحاطة بالغموض والسرية وعلاقة تحكمها مصالح سريعة وقبول بالأمر الواقع.

( وللمقارنة لنراجع نمط حكم وأسلوب قائد دولة داعش البغدادي- من غموض وإدعاء النسب الشريف وأسلوب نمط الحكم والترهيب ) نفس الأسلوب والمدرسة الإخراجية للعمل

4. . وليتم القبول العام بهذا الإختطاف لمؤسسات الدولة في صنعاء والإيغال بتأسيس الحكم الديني المذهبي ذو النظرية العنصرية والتي تعيد اليمن إلى ما قبل تاريخ الدولة، يتم تكريس النظرات الدينية المقابلة في مناطق الحكم الأخرى باليمن سواء الوسط أو الجنوب، بخطاب الدولة الدينية بنسخه الأخرى لإعلاء خطاب التيارات الدينية سلفية أو إخوانية ويصل الأمر إلى تنظيمات متطرفة أشد
فواجهة سلطات الأمر الواقع ( حتى تلك التي في قمة قوات الانتقالي التي ترفع علم الجنوب الإشتراكي ) هي تيار ديني سلفي متشدد يعلن أنه ضد الإخوان أولا وضد الحوثيين ثانيا ولكنه خطاب ديني أبعد ما يكون عن الحداثة والإنتماء إلى العصر
ومثله نرى بقية المناطق التي غابت عنها الدولة ورفعت شعارات التشدد.

5 . تكتمل صورة الخطاب الديني السياسي المتشدد في مناطق الحكم المختلفة باليمن وإن كانت بصور متفاوته لكن الأساس هو الخطاب للدولة الدينية، والذي من أهم مرتكزاته إلغاء مؤسسات الدولة الحديثة، وعدم القبول بمبدأ المواطنة المتساوية وبالدولة المدنية أو المنهج الديمقراطي في الحكم.

6. أمام كل هذا لاعجب من صدور قوانين ولوائح تقول أنها تنظم الحياة العامة للناس بناءاً على مفهوم الغنائم والفيد والجباية( وحق الخُمس اي 20 بالمائة من كل شيء بما في ذلك ثروات باطن الأرض او أموال الناس )
فقاعدة الحكم تقوم على أقلية مؤمنة نقية منزهة مقدسة وأغلبية كافرة مستباحة.

7 . اللائحة كُتبت من منطلق إيمان بالنظرية الدينية وليس مجرد طمع بالإستيلاء على 20 بالمائة من ثروات البلاد لأسرة تحكم الأمر الواقع.

والناس تهكمت على هذه النسبة ولم ترَ بقية بنود اللائحة التي تؤصل للنظرة الدينية العميقة بالعودة بالأمور إلى ماقبل ألف وأربعمائة سنة.
فنصوص اللائحة تؤكد على هذه النظرة التي تجاوزها الزمن فهي تقول أنه من مصارف الزكاة ( المادة 109)
مساعدة من يحتاج من المسلمين لفك رقابهم من الرق وخاصة العبد المملوك لإعانته في المكاتبة ليحصل على الحرية.
وهذا يعني بأننا مقبلون على عودة جدية للعبودية والرق وما ملكت أيمانكم والأمر إذا إستمر حال ترسيخ سلطات الأمر الواقع بالحكم والقوة و بنظريات دينية فسيبقى العودة إلى الرق مجرد وقت ليتحقق ونرى أسواق بيع العبيد.

كما نصت اللائحة على مصرف 2 بالمائة للمؤلفة قلوبهم
( نعم المؤلفة قلوبهم ولا تفسير كيف سنعرف قلوبهم )
وهناك 20 بالمائة للعاملين عليها من موظفي الجباية ! أي تقوية أجهزة البطش!!
إن تفاصيل اللائحة مرعبة ولكنها تفاصيل تؤكد الإيمان بفكرة الدولة الدينية والنظرة القاصرة التي لا علاقة لها بتطور الزمان وتغير المكان.

إن هذا التأصيل ليس وليد اللحظة بل هو إمتدادٌ لفكرة سابقة فالقانون الأساسي صدر في 1999 وأيامها كان البرلمان ليس حوثيا شيعيا بل مجلس مهد للدولة الدينية
وتوجها الحوثي باللائحة التنفيذية في أبريل 2020.

8 . ومن هنا لايكفي التنديد بقرار الحوثي عبر إدانات إعلامية الغرض منها إظهار حنق مؤقت أكثر منه عملاً لتغيير واقع مزري.
التغيير يبدأ من إعادة الإعتبار للكتلة التاريخية لليمن من القوى السياسية والمفكرين والمثقفين والشباب والمجتمع المدني، والشخصيات الوطنية والإجتماعية، ووقفات فكرية شجاعة ترفض حالة الإستلاب المتعدد القائم الآن.
ولا عذر لكل صاحب رأي بهذا الرضوخ لقيادة ترهب الناس وتدَّعي القدسية سواء في كهوف الحوثي أو قيادة الفصائل المسلحة بالمناطق الأخرى من اليمن.

فالإبتعاد عن جوهر نظام الحكم الحديث باستعادة الدولة المدنية هو تسليم بالذهاب في غيبوبة تاريخية ستأخذ اليمن إلى غياهب التخلف عشرات السنين.
الآن وقت وقف هذا الإنهيار المخيف للقيم العظمى وليس فقط لمؤسسات الدولة.
عودة الكتلة التاريخية الوطنية اليمنية لصياغة واقع جديد يعيد الإعتبار لمسار نضال إستعادة الدولة المدنية باليمن وبناء السلام.

13 يونيو  2020

 

الوكيل الحصري في اليمن: شركة مسلم التجارية