برنامج التحول الوطني وحساسية الاقتصاد

بعد انخفاض النفط وتأثر مداخيل الدولة كان لابد من وضع خطة تهدف الي تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز مداخيل الدولة بمصادر تحميها من تقلبات الأسعار، وتسارعت التقارير بدءاً من تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في نهاية عام 2014 إلى تقرير ماكنزي الشهير في نهاية 2015 التي وضعت حلولا لتحول الاقتصاد السعودي من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعا وأكثر كفاءة، سواءً باستخدام الطاقة او الموارد الطبيعية. الجميع يتفق على المبادئ والحاجة الي تنويع الاقتصاد، وهو ما يتضح في بدء الحكومة بتنفيذ بعض هذه البنود عن طريق مبادرات اقتصادية ورفع كفاءة الأجهزة الحكومية ولعلها بدأت بالأسهل منها وهي تعديل الدعم على أسعار الوقود والطاقة والتي لا يختلف اثنان على أنها من أرخص الأسعار في العالم، ومن ثم نية الحكومة لزيادة الرسوم على الخدمات وفرض الضريبة المضافة، وهو ما يعطى تسارع في حل مشكلة تنويع الإيرادات غير النفطية.
ولكن أجد أن هناك بعض النقاط المهمة في هذه زاوية (‘المبادرات والقرارات الاقتصادية) بالذات يجب الانتباه لها ونحن نمضي في هذا التحول والتغيير، ومنها:
1- أن سرعة صدور القرارات وعدم إعطاء المستثمرين والاقتصاد عموما الوقت الكافي لاستيعاب التحول والحاجة لتغير نظام ونموذج العمل للشركات ليتواكب مع معطيات وتكاليف جديدة سوف تربك المستثمرين وقد تعطى نتائج عكسية وغير محمودة من افلاس وخروج المستثمرين.
2- لابد من نشر خطة وطنية واضحة (خارطة طريق لمدة لا تقل عن 30 سنة) وبالأرقام المفصلة عن ماهية ونوعية الاقتصاد الذي نطمح للوصول اليه في عالم يمر بمتغيرات قوية، من شأن هذه الخطة إزاحة الغموض عن المستقبل، سواء للمستثمرين أو الافراد، وتسهيل دراسة الفرص الاستثمارية وتحديد جدواها بما يخدم خطة التحول وحتى لا يكون الهدف هو فقط زيادة مداخيل الدولة وبدون بناء اقتصاد محلي متين ينمو ويخلق الوظائف، وعن طريق هذه الخطة يتم تحديد الأولويات في المشاريع والبنى التحتية والتمويل والقوانين والتسهيلات للمستثمرين مع جدول زمنى يحدد ملاح كل مرحلة من مراحل التحول في الاقتصاد.
3- لابد من دراسة أثر زيادة الرسوم ورفع الدعم على المواطن والاستثمار، فكما هو معلوم أن المواطن سوف يدفع اغلب هذه التكاليف كمستهلك وهو ما سوف يثقل فاتورته الشهرية ويحد من قدرته على التوسع في مصاريفه الأخرى مما سوف يقلل من القدرة الشرائية في السوق وبالتالي الي تضرر المستثمرين، وقد نشاهد الكثير من المستثمرين وخصوصا في قطاع التجزئة يعانون من هذا الأثر وقد بدأت ملامح الضرر من الآن. وفي توقعي الشخصي سوف نشاهد حالات افلاس لكثير من التجار من سنة الي سنتين، ولحل هذه المعضلة يجب وضع خطة لحماية محدودي الدخل إما بوضع خطة مستقبلية لتحسين دخلهم أو بصرف دعم مدروس لتقليل آثار ضغوط التكاليف عليهم، للأسف لا يوجد أي ذكر لزيادة دخل المواطن في المبادرات بشكل واضح ومحدد وهو ما أمل أن يحل في اعلان المبادرات بشكلها النهائي.
4- مداخيل الدولة من الرسوم ورفع الدعم والضرائب والتي تؤخذ من المستثمرين والمواطنين يجب إعادة ضخها في الاقتصاد وألا تذهب إلى استثمارات خارجية عبر الصندوق السيادي، والهدف من ضخها في الاقتصاد هو استمرار تدفق المشاريع لتحسين البنية التحتية بما يخدم الاقتصاد والمواطن، فلابد أن ما يخرج من جيب المواطن والمستثمر يعود مرة أخرى إلى الاقتصاد الوطني.
5- بعض المبادرات تتناقض مع بعضها الاخر، فمثلا تهدف الخطة لجذب الاستثمارات سواء من مستثمرين أجانب كفتح سوق التجزئة بالكامل للمستثمر الأجنبي أو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومع زيادة الرسوم والضرائب واخرها مقترح وزارة العمل برفع الرسوم الشهرية للعامل من 200 ريال الي 1000 ريال، وهو في حال اقراره سوف يقضي تماما على المستثمرين في قطاعات كثيرة بسبب الزيادة الضخمة، ناهيك عن نقل هذه التكلفة الي جيب المواطن في نهاية الامر.
ختاما لابد من الإشادة بمشروع التحول الوطني الذي يحمل أهدافاً طموحة ومهمة وخصوصا في موضوع رفع كفاءة الأجهزة الحكومية وغيرها، لكن تنفيذها والآلية يجب مراجعتها والتأني بدراسة جميع الظواهر المترتبة على كل قرار مهما كان صغيرا، فقد يحدث قرار اقتصادي صغير سلسلة من التداعيات اللامتناهية والتي قد لا يتوقع صانع القرار امتدادها بهذا الشكل وقد تحقق اثاراً غير مرغوبة لدى من سنها.
اليوم نجد أننا امام تحديات كبيرة وتعقيدات اقتصادية تحتاج إلى اشراك القطاع الخاص والاقتصاديين والخبراء في سن المبادرات لصناعة اقتصاد واضح المعالم ويعطى ثقة للمستثمرين الذين بدأ لديهم قلق مبرر من تسارع الاحداث وعدم قدرتهم على المواكبة وهم تعاملوا مع اقتصاد كان يعمل في بيئة مستقرة من ناحية القرارات والأنظمة وإن كانت تعاني من خلل لكن من الأكيد أنه لن يستطيع التكيف مع احداث وتغيرات التحول الوطني المتسارعة. ولعلى في المقال القادم اتطرق الي مبادرات رفع الكفاءة في الأجهزة الحكومية وخصخصة المرافق.

 

*صحيفة مال الاقتصادية