التاجر أخلاقيات ومبادئ ..

لما اشُتهر عن التجار المسلمين من صدق وحسن في التعامل والوفاء وعدم الغش، فنتج عن ذلك دخول كثير من المجتمعات في مشارق الأرض ومغاربها للإسلام طواعية بسبب التجار وتصرفاتهم، إذ أهتمت الشريعة الإسلامية بالتاجر فوضعت له قواعد لمزاولة أعماله التجارية وأقرت الأعراف التجارية التي لا تتعارض مع القواعد الشرعية من ذلك قول الله تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ” وقوله تعالى: ” أحل الله البيع وحرم الربا “، فمن القواعد التي يتوجب على التاجر المسلم العمل والأخذ بها في تجارته لنجاحها ودوامها: الصدق والأمانة لقوله صلّ الله عليه وسلم: ” التاجر الصدوق الأمين مع النبيِّين والصدِّيقين والشهداء”، والبعد عن الشبهات في التعاملات والعقود بتحري موافقتها للشريعة الإسلامية لقوله صلّ الله عليه وسلم: “دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة”، الإكثار من الصدقات لقوله صلّ الله عليه وسلم: “يا معشرَ التجَّار، إن البيع يحضرُه اللَّغْو والحلف، فشُوبوه بالصدقة”، التبكير في طلب الرزق لقوله صلّ الله عليه وسلم: ” اللهم بارك لأمتي في بكورِها”، وإقالة النادم في بيعته طعماً من التاجر فيما عند الله من رحمة ورضوان ورزق لقوله صلّ الله عليه وسلم: ” من أقال مسلمًا، أقال الله عثرته ” والعدل والحسن النية في التعامل والعقود ..

ونُهي عن التطفيف، والتطفيف بمعناه الواسع يشمل كل أنواع الغش والتدليس، ولخطورته على المجتمع أنزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة سورة المطففين فقال الله تعالى: ” وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ “، فالتطفيف من صوره: التلاعب بالكيل والوزن والعدد والمنتج فيجعل محاسنه ظاهرة ويخفي بواطنه الفاسدة أو يخفي منتج آخر بوسط المنتج المطلوب، وقد أصدرت السلطة التنظيمية عدة أنظمة للحد من ظواهر التطفيف ولضبطها نظامياً فمن ذلك: نظام مكافحة الغش التجاري الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/19) لعام 1429هـ وكذلك نظام البيانات التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/15) لعام 1423هـ ..
كما نُهي عن البيع بالأيمان والحلف الكاذب لقول الله سبحانه وتعالى: ” وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ ” ولقوله صلّ الله عليه وسلم: ” الحلفُ مَنْفَقةٌ للسلعة، مَمْحَقَةٌ للبرَكة” وكذلك قوله صلّ الله عليه وسلم: ” ثلاثةٌ لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم، المسبل إزاره، والمنان بما أعطى، والمنَفِّقُ سلعته بالحلف الكاذب ” ..
وكذلك منع الإحتكار لتحقيق المنافسة العادلة ومنعاً لإستغلال حاجات الناس الضرورية لحياتهم، لقوله صلّ الله عليه وسلم: ” مَن احتكر على المسلمين طعامًا، ضربه الله بالجذام والإفلاس.” والمنافسة والإحتكار منظمة وفق نظام المنافسة الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/25) لعام 1425هـ، إذ نص في مادته الأولى على: “يهدف هذا النظام إلى حماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة.” وحرمت الشريعة هضم حقوق الغير لقول الله سبحانه وتعالى: ” ولاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ ” ..

كما أُكد في نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1350هـ على الأخلاق الإسلامية والتجارية الواجب أن يتحلى بها التاجر فنصت مادته الخامسة على: ” يجب على كل تاجر أن يسلك في كل أعماله التجارية بدين وشرف فلا يرتكب غشا ولا تدليسا ولا احتيالا ولا غبناً ولا غرراً ولا نكثاً ولا شيئاً مما يخالف الدين والشرف بوجه من الوجوه وإذا فعل ذلك استحق الجزاء الرادع بمقتضى قانون العقوبات المندرج في هذا النظام. ” ..

فهذه بعض القواعد الأخلاقية المخاطب بها التاجر أكان فرداً أو شركة والشركاء بالشركات وممثلي الشخصيات المعنوية الخاصة كرئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والإدارات العليا بالشركات وهي ليست حكراً على التاجر، بل وحتى عامليه كالمسوقين للمنتجات ومعدي البرامج الدعائية ..

وتجتمع هذا القواعد والمبادئ بما يعرف بالسمعة التجارية، فالسمعة التجارية قوامها العناصر المعنوية للتاجر إبتداءً والتي تعد أساسٍ لتجارته ورأس ماله والمحافظة عليها أشد من المحافظة على رأس المال المادي أو النقدي، لصعوبة إعادة السمعة لما كانت عليه قبل خسارتها بخلاف الرأس مال النقدي الذي يتجدد ويُرمم، فكم من تاجر نتاجاً لسمعته التجارية الحسنة فتحت له أبواب وتيسرت له أعمال وأسست لنجاحه وأعادت بناء تجارته عندما تتعرض لخسائر، فالسمعة التجارية رأس مال لا يقدر بثمن حري بالمحافظة عليه ..

وبعض التجار نجدهم مخالفين للقواعد الأخلاقية للتجارة ومبادئها، فسمعته التجارية شابها الكثير من الشبهات، ونراه في هذه الأيام يستميت بوسائل الإعلام على مختلف أشكالها وأنواعها: الورقية أو الإلكترونية أو وسائل التواصل الإجتماعي ويصرف الأموال هادفاً لتلميع وتشذيب سمعته لإزالة ما حاكته تصرفاته وأفعاله بالمجتمع وبالوسط التجاري إلا أن أفعاله ترتد عليه، وكلما زاد في التلميع والتشذيب نرى المجتمع يزيد (حاله مع المجتمع: فلما زادوا زدنا ولو سكتوا لسكتنا) ..

وأخيراً، نقول إن التاجر الــحــق في جميع الظروف والأحوال التي تمس ظروف تجارته وحياته خصوصاً حال تدهورها بخسائر أو الركود التجاري لا يتنازل عن مبادئه وأخلاقياته، ولا إنفصال بين التجارة وقِيّم الإسلام وضوابطها، وكلما إلتزم التاجر بأخلاق دينه وقِيَمه في تعاملاته وحياته، كان أقرب إلى الله تعالى، ثم أقرب إلى قلوب الناس، وأنفع أولاً: لنفسه وثانياً: لأبناء أمته ومجتمعه ..

إن وفقت وأصبت فمن الله وفضله والحمدلله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولوالديّ وأتوب إليه.

 

*منقول من صحيفة مال الاقتصادية