أخطاء اقتصادية قبل فوات الاوان

سألني محاوري من رجال الاعمال عن سبب تحفظي على ما يدور من حديث اقتصادي والذي يشمل عدة خطوات هامه في الأسابيع الماضية، بعدان قبل انني لا اقبل تصنيف الحديث على سلم التفاؤل والتشاؤم بل من منظار موضوعي فقط نريد منه استخلاص العبر لخدمة الوطن. لا شك ان الطرح تغير و هناك حراك نابع من استشعار المرحلة و حجم التحديات ولكننا بصراحة لم نجد الطريق الاقتصادي الى الآن . سيقود البحث الى الطريق الأمثل  لان طبيعة الانسان التعلم في ظل نوايا و عزيمه لا احد يشك فيها .

علم الاقتصاد التنموي مليئ بالتجارب السليمة وغير السليمة، كما ان هناك نقاش محموم حوله، و لكل مجتمع طريق خاص به. ولكن قبل البحث عن الطريق الامثل لابد من توظيف آلية تقودنا الى معرفة الطرق الغير سليمة. هناك خطوات في نظري لا تساعد في ايجاد الطريق الأمثل. بعض هذه الخطوات فكري و بعضها اداري و بعضها خليط لان هناك خلط واضح بين التحديات التنموية و الصعوبات الاقتصادية حيث تواجه المملكه كلا الأمرين. يزيد على ذلك ان المملكه لأسباب كثيرة تهاونت  في تكوين كوادر قادرة مما ساهم في ضعف النقاش. هناك عدة أخطاء بدت واضحه كالتالي :

-الاولى، هناك خلط واضح بين المالي والاقتصادي. بدا واضحا اننا نسعى لتوفير المال لاستمرار نموذج اقتصادي عفى عليه الزمن و لم يعد صالحا للحاضر ناهيك عن المستقبل . فكرة الصندوق السيادي دليل مادي على مركزية المال على حساب الاقتصاد ، استبدال الريعية النفطية بريعيه مالية يبدو جذاب و لكنه ليس اقتصادي التوجه ، كما انه يتضمن مخاطر من نوع اخر من حيث اختلاف مخاطر النفط مع مخاطر المحافظ المالية. الوجه الاخر لتوفير المال يمتد للحديث عن الاستثمار الذي بدا غير واضح.

فالمملكة تعاني من نقص في الاستثمار كنسبة من الدخل القومي على مدى العقود القليلة الماضية (ترتفع النسبة حين تحاول المملكه تعويض النقص على اثر ارتفاع اسعار النفط)، و لكن ليس واضحا اذاالمقصود الاول الاستثمار محليا او دوليا. الاشكالية الفرعية في معادلة الاستثمار انه كما ترشدنا التجربة العالمية في الغرب في السنوات القليلة الماضية أن التوجه للاستثمار مرتبط بكفاءة و جاذبية المحيط  والمناخ الاقتصادي وهذا بدوره يعتمد على وضوح النهج الاقتصادي مما قد يزيد مخاطر ملاحقة مشاريع يستغل فيها المال العام.لاتقف الامور هنا في الاستثمار فبالرغم من ان المملكه مصدرة للمال إلا ان هناك حاجه للاستثمارالأجنبي و لكن تجربة الاستثمار الأجنبي لم تجد طريق متميز لأسباب اخرى.

-هناك خلط اخر بين مركزية الفكر و التخطيط الاقتصادي من ناحية وبين مركزية الادارة الاقتصادية من ناحية اخرى.
لأسباب تاريخية وموضوعية لم يحض القرار الاقتصادي بنفس الأهمية السياسية أوحتى الاجتماعية. لعل هذا سبب في آلاتفاته الاخيرة الى تمركز القرار الاقتصادي ممثلا بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية و هذا توجه صحي من حيث درجة الاهتمام و لكنه ناقص من حيث تبعات الآلية السليمة . كما القفز من التخطيط الى التنفيذ مختلف . فمثلا كان الكثير يدعوا لوزارة طاقه لتوحيد جهود المملكة خاصة ان اقتصاد المملكة يعتمد على الطاقة ولكن تجميع اغلب الاقتصاد تحت وزارة واحدة بدا وكانها وزارة الاقتصاد دون التخطيط الاقتصادي .

من الملفت أن تجارب المملكة الناجحة جاءت بسبب درجه الاستقلال المعتبرة لآرامكو و سابك و ليس بسبب تمركز القرار، تمركز القرار الاداري يزيد المخاطر و يقلل المنافسة وتوجه في ظاهرة يتنافى مع التخصيص. لم نعد نعرف المسافة بين وزارتي الاقتصاد والمالية من ناحية وبين مجلس الشؤون الاقتصادية .
فعالية وقوة اجهزة وزارة الداخلية معلوماتيا وخدميا تدل على قدرة المملكة ذاتيا على مستوى المشاريع ولكن هذا مختلف . فمثلا برز تعقيدا منهجيا في دمج الاستثمار مع التجارة.

-نحن بصدد تخطيط اقتصادي كلي ومن اعلى مستوى و مع هذا لم نفرق بين النمو الاقتصادي ( العضوي – بناء ينبع من خلط خلاق بين عوامل الانتاج الكلية) وبين التوسع الموروث حديثاً ( موروث بحكم ما بدا كعمل مقبول للتوسع بناء على خلفية متواضعه منذ السبعينات) ولكنه استمر بسبب ضعف الفكر والقيادة الاقتصادية .

– في مفاجأه من العيار الثقيل لم يعطى الجانب البشري الحاسم  حقه من التمحيص تخطيطيا أوتنفيذيا على المستويات الاخرى.
لفت نظري ما ذكر عن ” نظام الاقامة الدائمة” في رسالة اقتصادية لم أفهمها . من ناحية بدا و كانها رسالة ضد برامج التوطين التي بذلت الحكومه جهود كبيرة ومكلفة في العقدين الماضين على الاقل  لحلحلتها.

كما أن تجربة الوافد في المملكة ” كمهاجر اقتصادي ” لم تكن مجدية من ناحية اقتصادية ، رسملتها لن تزيد مصالحنا الاقتصادية و لكنها رسالة غير اقتصادية للمواطن خاصة في ظل صعوبة حلحلة إشكالية توزيع الدعم بين المواطن و غير المواطن و بين الاستهلاك و بين الاستثمار. مرجعية التكوين الاقتصادي تبدأ وتنتهي بتأهيل المواطن من خلال التجربة العملية .

– ناحية بشرية مهمة تظهر في تعظيم دور المؤسسات الاستشارية وكانها مدعوة للتفكير بدلا منا.

للاستشاري دور فني تحليلي ولكن هنا مختلف نوعيا عن استحضار توجهات  تنموية عامة واقتصادية خاصة.لعل احد الأسباب يعود إلى أننا لازلنا لم نصل إلى المعادلة الصحيحة لصنع القرار الاقتصادي.

فبالرغم من مستوى الجدية والقدرة على التغيير الا انه لازال هناك خلط بين التخطيط والتنفيذ.
هذا يرفع درجة المخاطر بعد ان يبدا التنفيذ و خاصة في جانب المسالة.

– بدا وكأننا في عجلة الى التخصيص قبل تعميق دور المواطن في القطاع الخاص مهاريا أو تتمرس القوى المؤسساتية لحماية الحقوق وسلاسة انتقالها. ليس هناك ما يثبت العلاقة ان الفساد في القطاع العام اعلى منه في القطاع الخاص بل هناك ما يشير للعكس احيانا، كما ان مراقبة الأجهزة العامه احيانا أسهل. طرح نسبه 5% أوأقل من ارامكو لن يزيد الشفافية ولن يقلل دور الحكومه فعليا.التخصيص كتوجه صحي  ولكن لم نصل إلى نقطه تعظيم المصلحة منه.
هناك حلول ولكن هذا موضوع اخر، تقبلوا كل تحية وتقدير.

مقالات الكاتب