انتهت الحيرة الاقتصادية وحان وقت الاستثمار

من أقصى شرق الصين وحتى مكتب جانيت يالين في الولايات المتحدة، أصبحت الصورة واضحة جدا. كل المتغيرات التي كانت مقلقة منذ عام ٢٠١٤ توضحت وأصبح معروفا كيف سيكون شكل الاقتصاد العالمي في الفترة القادمة. فترة التقلبات الماضية التي تخللها أزمات وخضات كمشكلة الديون الأوروبية وخصوصا في اليونان ثم تراجع نسب النمو في الصين وهبوط أسعار النفط بالإضافة الى تخبطات الفدرالي الامريكي حول قرار رفع الفائدة، ألقت بجو هائل من الضبابية على كل الأسواق في العالم.

لم يكن سهلا توقع الأحداث لأن المتغيرات كثيرة ومتداخلة فأصبح القلق مسيطرا. القلق الاستثماري يضاعف من ردات فعل الأسواق عند الأخبار الجديدة السلبية. لذلك رأينا هبوطا حادا في أسواق كثيرة تبعها ارتفاعات قوية. أسعار النفط بالنسبة للمنطقة العربية كانت اللاعب الأكبر حيث تتالت التقارير والتخمينات بحدوث الإفلاسات والانهيارات. مع مرور الوقت هدأت التخمينات أمام الوقائع. تراجع الاقتصاد لكنه ظل متماسكا ولم يُدمر.

منذ بداية العام الحالي، تغير الوضع نحو الاستقرار في الأرقام والتوقعات. لم نشهد تعافيا ولا تحسنا كبيرا، لكن مستوى الخوف من الكوارث المُحتملة تراجع بشكل كبير. تحولنا الى مرحلة من الممكن ان نصفها بالتعايش مع التعافي الاقتصادي البطيء وعدم وجود الحلول السحرية. لم يعد قرار رفع الفائدة من عدمه يثير الذعر في الأسواق. الأسواق والمستثمرون يعرفون ان ذلك سيحدث عاجلا أم اجلا ويتصرفون على أساس ذلك. بنفس الطريقة، لم تعد الأرقام الصينية ترعب الأسواق اذا تراجعت.

في دول الخليج، وهي المعنية أكثر من غيرها بهبوط أسعار النفط، رأينا إعلانات لمشاريع وخطط مستقبلية أوضحت ان التخطيط والعمل بشكل مختلف صار واقعا ملموسا وهو ما غير النظرة المستقبلية بشكل كبير وفتح مجالات الاستثمار على مصراعيها. أكرر هنا أن ذلك لا يعني أن التراجع انتهى لكن النظرة الواقعية تغلبت على غيرها بعيدا عن التشاؤم المأساوي الذي ساد وتلاعب بالنفسيات لفترة ليست قصيرة. يكفي أن المادة الإعلامية تغيرت بالكامل من نقاش الإفلاسات والانهيارات الى البحث في المشاريع والرؤى المستقبلية. لا يخلو الأمر طبعا من هواة التشاؤم الذين يتواجدون في كل مراحل الدورات الاقتصادية لكن أثرهم أصبح أقل حاليا.

في الاستثمار يبحث راس المال عن أكبر كمية من الوضوح لتوزيع المخاطر. والمستثمر يعرف دائما أنه لا يمكن أن يحصل على يقين كامل بالأحداث المستقبلية لكنه يحاول توقع العائد المستقبلي باستخدام المعلومات الحالية المتوفرة له. لذلك فإن الضبابية هي أسوأ الفترات للمستثمر ويفضل عندها الاحتفاظ بالسيولة قدر الإمكان بانتظار توضح الرؤية. وبمجرد توضح بعض الرؤية بالنسبة للمستثمر فإنه يبدأ ببناء مراكزه الاستثمارية في الأوضاع المتراجعة ثم يبدأ بزيادتها عند توفر معطيات جديدة. يضع في حسبانه إمكانية النمو والارتفاع في الأسعار وحتى بعض التراجع بناء للمتغيرات القادمة.

في الفترة الحالية أعتقد أننا أصبحنا في مرحلة قلت فيها الضبابية بشكل كبير، ويمكن لمن يريد أن يستثمر الان أن يبدأ باختيار الشركات المستهدفة ودراستها. لم يعد بحاجة للتخمين بخصوص قرارات مستقبلية محتملة فمعظمها أصبح متوقعا ومسألة وقت لا أكثر. الشركات الجيدة وضعت خططها على أساس المتغيرات التي مرت بها ويمكن تقييم تلك الخطط ومناقشتها للوصول الى القرار الصحيح.

هناك من الشركات التي ستواجه صعوبات شديدة وتتعرض لضغوطات كبيرة لأنها لم تتأقلم مع الأوضاع الاقتصادية المستجدة. تلك الشركات سيكون من الصعب عليها ان تنمو وتحقق عوائد جيدة. في المقابل، هناك شركات كان واضحا أنها استوعبت كل ما جرى وتأقلمت وتحضرت بشكل جيد وأمامها سنوات ممتازة جدا.
الأمور في رأيي واضحة جدا لمن يتابع ويحسن الاختيار.

مقالات الكاتب