كيف نستفيد من تجربة بلاد السامبا؟ .. الريال البرازيلي مثال

شهدت البرازيل في العقدين الماضيين الكثير من التحولات الايجابية بشكل عام سواء على المستوى السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي . فحتى منتصف ثميانيات القرن العشرين لم تكن البرازيل قادرة على سداد ديونها الخارجية ، و لا حتى السيطرة على نسب التضخم في الاسعار، و عدم الاستقرار الاقتصادي . ان ما حدث في البرازيل يستحق الوقوف و التأمل .

أرى ان اهم عامل رئيسي لهذا التحول الكبير في الاقتصاد البرازيلي هو برنامج ” خطة الريال ” الاقتصادية ، والتي وضعت في 27 فبراير 1994 م في عهد الرئيس البرازيلي الاسبق ايتمار فرانكو ( 1995-2003 ) ، و تم تنفيذها فعليا في بداية عهد الرئيس البرازيلي الاسبق فرناندو هنريكي كادورسو- و الذي كان وزيرا للمالية في عهد ايتمار و أحد عرابي البرنامج – .

يعتبر هذا البرنامج نقلة تاريخية تحولية محتلفة في تاريخ الاقتصاد البرازيلي ، تهدف بشكل عام لتحقيق الاستقرار و الاصلاحات الاقتصادية في البرازيل ، و الذي بدوره شجع على الحد من نسب التخضم العالية في البرازيل ، و الذي عانت منه البرازيل على مدى ثلاثين عاما قبل هذه البرنامج . لك صديق القاري ان تتخيل ان التضخم وصل 46,58% شهريا في يونيو من عام 1994 م ، و ما لهذا التضخم الكبير من آثار سلبية على جميع الصعد في البرازيل! .

باختصار هدفت خطة الريال الى التقليل من الانفاق العام و رفع كقأته ، و خلق عملة جديدة قوية و مرنة ، و خصصة بعض القطاعات الاقتصادية في البرازيل ،و زيادة عوائد الدولة و تنويعها ، و مشاركة القطاع الخاص في عملية التمية الاقتصادية الوطنية بشكل فعال . اي ان هذه الخطة كانت النواة الاولى في عملية تحول الدولة البرازيلية من اقتصاد الدولة الراعية و المشرفة على جميع مسارات الحياة الاقتصادية الى اقتصاد الدولة المشاركة و المفتوح .

ان كل ماسبق يدوعوني الى الحديث و نحن مقبلين في هذا الوطن العظيم على مرحلة تاريخية مع الاعلان عن برنامج التحول الوطني في السعودية والذي سيعلن عنه مساء اليوم . ان ما يجعل هذا البرنامج تحولا في السياسات الاقتصادية هو ان الاصلاحات و الاهداف التي يسعى هذا البرنامج الرائد و الطموح لتحقيقه تختلف عن النماذج و الخطط الاقتصادية السابقة .

ان هذا البرنامج يهدف لقيادة مرحلة اقتصادية جديدة في عمر المملكة ، و خلق روافد مالية جديدة – بعيدا عن صادراتها النفطية – يعتمد عليها ، و العمل على الانتقال الى مرحلة الاقتصاد المعرفي و المرن ، و ما سايشمله البرنامج – حسب ما قرانا في الصحف – من عمليات بيع اصول و فرض ضرائب ، وخفض للانفاق العام ، و تغيير لطريقة ادارة الدولة للاحتطايات المالية ، و توجها لتعزيز الكفاءة و الفعالية ، و اعطاء مساحة أكبر لمشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية ، و لا انسى خصصة 18 قطاعا عام بشكل جزئي . أن أكبر ما يميز هذا البرنامج انتقال عملية وضع السياسات الاقتصادية من المراكز التقليدية و المتحفظة لصنع القرار مثل وزارة المالية الى سلطة اتخاذ القرارات الاقتصادية الوحيدة المتمثلة في مجلس الشؤون الاقتصادية و التنمية . كمرجع وحيد يسهل عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية ..

ان هذا البرنامج سيكون له الاثر المستقبلي المباشر على تحسين مرتبة المملكة في قائمة سهولة ممارسة أنشطة الاعمال الاقتصادية ،فالمملكة حاليا تحتل المرتبة 82 عالميا حسب تقرير سهولة ممارسة أداء الاعمال الصادر عن البنك الدولي في مارس 2016 بين 189 اقتصادا عالميا . هذا سيكون له الاثر الايجابي الكبير على جذب الاستثمارات الاجنبية للمملكة .

اخيرا أن جميع التجارب التي سبقتنا سواء في البرازيل او ماليزيا او سنغافورة لايمكن النظر البها فقط على اساسا انها مثالية مطلقة و انها حققت فقط النتائج الايجابية ، بل ان كل تجربة رائدة كان لها جوانب من القصور، و هذا امر طبيعي في مسيرة التنمية و التحول ، و هي نتيجة التفاعل الديناميكي لحركة التحولات التي يشهدها هذا البلد او ذاك . و نحن هنا لابد منا التفاؤل و الامل و العمل على المساعدة على تحقيق الاهداف المامولة من هذا البرنامج الوطني الطموح و الواعد .