الاستثمار في أوبر .. صفقة ذكية أم مجازفة تشوبها المخاطر؟!

تداولت وسائل التواصل الإجتماعي الصفقة التي قام بها صندوق الاستثمارات العامة مؤخراً في شركة أوبر، كما تناقلتها الصحف العالمية، فما هو سر الاستثمار في هذه الشركة؟! وهل لهذه الشركة مستقبل مشرق يخفى على الناس؟ أم أنها كما قال البعض مخاطرة باستثمارات صندوق الاستثمارات العامة التي من المفترض أن تصرف على استثمارات مستدامة طويلة الأجل، قد لا تجلب المال السريع، ولكنها تجلب المال المستدام؟!

أما الجانب المضيء لأوبر، فنشرت صحيفة “Forbes” في النصف الأول من عام 2015 أرقاماً قالت أنها تحصلت عليها عن الطريق التسريبات في الوقت الذي كانت تعد فيه أوبر القوائم المالية للمستثمرين. أما الأرقام والنسب فكانت مثيرة لهذه الشركة الجديدة التي أصبحت مثاراً للجدل لدى أوساط المستثمرين في الأسواق العالمية. تقول “Forbes” (وفقاً للأرقام التي تحصلت عليها) أن شركة أوبر شهدت نمواً كبير طغى على منافستها شركة “Lyft”. ففي النصف الأول فقط، بلغت مبيعات أوبر (الدفترية) ما يقارب 3.63 مليار دولار، بينما كانت المبيعات (الدفترية) لعام 2014 بأكمله 2.93 مليار دولار. وهو ما أن يعني النصف الأول فقط كان أعلى من مبيعات عام كامل بنسبة 23%! وهذا ما يفسر النمو الهائل الذي تحدثت عنه مجلة “Forbes” الذي سيبلغ 84% إن استمرت نسبة النمو كما هي عليه حتى نهاية 2015. ولإن المبيعات الدفترية تختلف عن صافي مبيعات الشركة بسبب طبيعة عمل الشركة، ذكرت الصحيفة أن صافي مبيعات أوبر بعد التسويق ودفع استحقاقات المتعاقدين معها من سائقي أوبر 663.2 مليار دولار في النصف الأول لعام 2015، مرتفعا بنسبة 33.9% عن صافي مبيعات عام 2014 بأكمله التي بلغت 495.3 مليار دولار، مع ملاحظة أن هذه صافي مبيعات الشركة، وليست الأرباح، فلا يزال هناك تكاليف أخرى يجب دفعها من الشركة.)

أرقام جيدة حتى الآن (وفقاً لما تحصلت عليه “Forbes”)، لكن ما هو الجانب الآخر الغير جيد لهذه الأرقام؟! تقول الصحيفة أنه تم الصرف على تكاليف التشغيل في النصف الأول فقط من عام 2015 ما يقارب 159.1 مليون دولار، وهو ما يساوي تكاليف التشغيل لعام 2014 بأكمله! وتؤكد على أن هناك “حرق” كبير للسيولة بشكل يتضاعف ويتسارع بشكل أكبر. وهذا يعني أنه لو تم الاستمرار بذات النسبة لنهاية عام 2015، سيكون إنفاق أوبر على تكاليفها التشغيلية 100% أكثر منها في 2014. وأيضاً، في ذات الوقت، بلغت التكاليف العامة والإدارية 178.7 مليار دولار في النصف الأول فقط من عام 2015، بينما كانت في عام 2014 بأكمله 177.7 مليون دولار، وهو ما يعني أن الإرتفاع في التكاليف سيكون قريب من 100% إن استمرت نسبة النمو كما هي عليه حتى نهاية 2015 (تذكير: هذا النمو الكبير في التكاليف كان يقابله نمو في المبيعات الدفترية وصافي المبيعات للشركة كما ذكر سابقاً).

في المقابل، ذكرت نيويورك تايمز الأمريكية أن العملاق BlackRock هو من ضمن المستثمرين في أوبر، ولمن لا يعرف هذه الشركة، فهي أكبر صندوق استثماري في العالم، بقيمة أصول يديرها بلغت 4 ترليون دولار تقريباً (ضعف حجم الصندوق السيادي المستهدف للسعودية الذي يستهدف أصولاً بقيمة 2 ترليون دولار). وهناك أيضاً صندوق قطر السيادي النشيط في الاستثمارات الأجنبية. وذكرت أن هناك عملاء كبار لجولدمان ساكس ومورجان ستنالي من ضمن المستثمرين.

الآن وبعد ذكر هذه الأسماء الكبيرة، وبعض الأرقام والنسب المالية والنمو الهائل، نعود للسؤال مرة أخرى: هل الاستثمار في أوبر صفقة ذكية أم مجازفة استثمارية تشوبها المخاطر؟ الجواب: حتى مع هذه الأرقام والمعطيات المذكورة لا يستطيع المحلل المالي أن يبدي رأيه في شركة لم تنشر قوائمها المالية بعد، كونها ليست شركة (مساهمة) حتى الآن.

نقطة خروج: تختلف وجهات النظر دائماً في مسائل الاستثمار، فهناك المتحفظ، وهناك من يجازف (إن لم يكن يقامر)، وهناك من يستثمر بناء على دراسة المخاطر، حتى مع وجود القوائم المالية، فهناك من يشتري وهناك من يبيع. يقول الرئيس التنفيذي لشركة بلاك ستون، ستيفن شوارزمان، أحد الأسماء المعروفة في “وال ستريت”: “لو عاد بي الزمن للوراء لاستثمرت في بلومبرج! أتاني حينها مايكل بلومبرج وكان يقنعني عن جدوى الاستثمار بها، لكنني رفضت. شاهد الآن أين هي بلومبرج!” بينما في المقابل، يرى الآخرون أن الاستثمار ينبغي أن يراعي الأهداف طويلة الأجل، والصناعية التي تستهدف الاصول والعوائد المستدامة. لكن الأكيد أن التحليل وإبداء الرأي تجاه أي استثمار يجب أن يستند على عوامل كثيرة. فهناك التحليل المالي، والتحليل الاقتصادي، والتحليل الفني، وتحليل السوق، ودراسة الفرص، والتحديات، وغيرها من العوامل الهامة في التحليل.

 

*صحيفة مال الاقتصادية السعودية