ضعف حماية صغار المستثمرين سبب الإحجام عن سوق الأسهم

نريد في هذا المقال أن نختم سلسلة مقالات السوق المالية ببعض التوصيات التي تفيد الأطراف المعنية وفي مقدمتها هيئة سوق المال. يجب أولا وقبل كل شيء الاعتراف بأن السوق المالية السعودية تمر بالفعل بحالة من الشك وعدم ثقة من قبل المستثمرين الأفراد، وليس هذا خافيا على أحد، وليس وهما أو احتمالا بل حقيقة وفرضية علمية تم قبولها. لذا يتعين على المسؤولين عن السوق المالية – وفي مقدمتهم هيئة سوق المال – الاهتمام كثيرا بهذا الجانب وأخذ الموضوع مأخذ الجد. وسأذيل مقالي هذا بعدد من التوصيات والآليات وفقا لنتائج الدراسات الميدانية التي أجريت على السوق وتم عرض جزء منها في المقالات السابقة.
اتضح من نتائج الدراسة أن الأزمات المتتالية لسوق المال كان لها أبعد الأثر في حالة الشك وفقد الثقة بالسوق حيث أدت إلى تخوف المستثمرين من التعامل مع السوق المالية لذا ينبغي تخليص السوق من آثار هذه الانهيارات عن طريق حماية المستثمرين من المخاطر المالية التي قد يتعرضون لها، فقد تبين أن عدم قدرة الهيئة على حماية صغار المستثمرين من مخاطر السوق وتقلباتها يمثل سببا جوهريا نحو الإحجام عن الاستثمار في السوق المالية. كما ينبغي مراقبة بعض شركات السمسرة والوساطة التي تتلاعب و تضلل المستثمرين. على الهيئة كذلك أن تولي الشفافية القدر الكبير من الاهتمام، فنقص الشفافية أدى إلى ظهور الشائعات خصوصا الشائعات حول المراكز المالية للشركات، وهذا بدوره أدى إلى تضليل المستثمر ومن ثم انعدام الثقة بالسوق برمتها.

وبعد معالجة آثار الانهيارات ينبغي محاولة تجنيب السوق المزيد من الأزمات عن طريق عمل تعديلات في إجراءات السوق وحفظ الحقوق ومن ثم إعداد حملات إعلانية مكثفة من خلال وسائل الإعلام لتشجيع الاستثمار في السوق المالية السعودية تتضمن الرسالة الإعلانية جوانب التعديل في إجراءات السوق، وطرق حفظ الحقوق، وطريقة الاستثمار، وغيرها من الأدوات التي تحفز عودة المستثمرين.

بينت الدراسات التي تم عرضها في المقالات السابقة بعض المعوقات التي تواجه صغار المستثمرين ولكن معرفتها لا تكفي إذا لم تتم إزالتها والتغلب عليها لأن بقاءها سيحول دون تنشيط سوق الأوراق المالية، وإحجام المستثمرين عنها وستؤدي إلى تحول الاستثمارات إلى قطاعات أخرى أكثر جدوى كالعقارات والمشاريع التجارية و نحوها، كما أن هذه المعوقات قد تكون سببا في إحجام المستثمرين المرتقبين عن استثمار مدخراتهم في السوق المالية. لذا على هيئة سوق المال أن تحرص على تطبيق معايير السوق الحرة التي يحكمها العرض والطلب، وألا تكون السوق حكرا على مجموعة توجهها، فقد تبين من نتائج الدراسة أن أكبر المعوقات التي تواجه المستثمرين هو “تحكم كبار المستثمرين في السوق” حيث يرى غالبية المستثمرين أن سوق المال السعودية عبارة عن كمين للسيطرة على مدخراتهم. ولن تستطيع الهيئة أداء ذلك دون زيادة صلاحيات لجان التفتيش والمتابعة ومراقبة عملها بدقة فقد اتضح أن هذه اللجان لا تؤدي عملها كما يجب.

كما يجب إرغام الشركات عندما ترغب في طرح أوراقها المالية الجديدة أن تبني ذلك على أبحاث تأخذ في الاعتبار مخاطر التداول فقد تبين أن اعتماد الشركات على الأبحاث التي تأخذ مخاطر التداول في الحسبان أقل من المتوقع.

من الطبيعي أن تتميز سوق المال بتذبذب الأسعار إلا أن التذبذب المفاجئ لا يخدم فاعلية السوق لذا يجب العمل على إدارة هذه التذبذبات لأن هذا يمثل أهم المعوقات التي تواجه المستثمرين بعد تحكم كبار المستثمرين في السوق. ويمكن التحكم في تذبذب الأسعار بتفعيل الضوابط على شركات السمسرة والوساطة المالية فيما يتعلق بعمليات شراء وبيع الأوراق المالية حتى تستعيد السوق توازنها.

وينبغي أن يدعم كل هذا ببرامج توعوية للمستثمرين وللشركات أيضا مثل تقديم دورات للمستثمرين والمستثمرين المرتقبين عن كيفية الاستثمار في السوق المالية يبين من خلالها كيف أن الاستثمار في الأوراق المالية يختلف عن الاستثمارات التقليدية فهو يتطلب قدرا معينا من المعرفة. كما يجب أن تختم الدورة بمنح بطاقة لكل مستثمر أنهى الدورة بنجاح ولا يسمح لأي مستثمر أن يدخل السوق المالية دون حصوله على هذه الدورة وتجاوزها بنجاح حماية لمدخراتهم وحفاظا على سمعة السوق. وكذلك إقامة ورش عمل ودعوة المتخصصين لزيادة وعي وإدراك الشركات المساهمة بمفهوم وأهمية السوق المالية وكيفية الاستفادة منها دون استغلال أموال المستثمرين وتذكيرهم بأخلاقيات التعامل في السوق المالية.

المشكلة هنا لا تكمن في البرامج التدريبية والتوعوية بحد ذاتها فيمكن تصميمها، ولكن المشكلة في من يقوم بتنفيذ البرامج نتيجة النقص الشديد في مختصي المال والمهتمين بالتمويل والاستثمار. فليس الكل مؤهلا أن يبحث ويحلل ويدرب في مجال الأوراق المالية. لقد ذكرت في مناسبات عدة أن المتخصصين في هذا المجال هم رجال التمويل والاستثمار وهم القادرون على التدريب والتحليل المالي والتنبؤ بالمستقبل بشيء من الحرفية وهم قليلون ليس فقط في بلادنا بل في غالبية الاقتصادات. لذا يلجأ البعض إلى الاستعانة بأهل التسويق أو المحاسبة أو غيرهم من تخصصات الأعمال وهؤلاء غير مؤهلين لا للتدريب ولا للتحليل لأنهم ليس لديهم القاعدة المعرفية الكافية التي تؤهلهم للتدريب والتحليل وتقييم السوق فكل ما لديهم لا يختلف كثيرا عن تحليل أي مستثمر بسيط يحكم على الوضع لمجرد اللونين الأحمر والأخضر. وهؤلاء هم جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل.

وأخيرا ينبغي عقد مؤتمرات وندوات حول هذا الموضوع، حتى تستفيد الشركات والجهات ذات العلاقة من نتائج الدراسات للبعد عن الارتجالية والعشوائية في التطبيق.
نقلا عن الاقتصادية