تطوير القاعدة الصناعية

مع بداية الطفرة النفطية الأولى في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عمل الاقتصاد السعودي على الاستثمار في بناء قاعدة صناعية كبيرة. وقد ركزت هذه الاستثمارات على الميزات النسبية لدى الاقتصاد السعودي، وعلى أهداف استراتيجية محددة، ولذلك أثمرت للوطن صناعة بتروكيماوية متخصصة. لم نقم في ذلك الوقت ببناء مصانع للأدوات والآليات المعمرة أو غيرها من الصناعات البسيطة لمعرفتنا أننا نفتقر للكتلة السكانية الكافية لإيجاد كمية استهلاك تجعل من تكاليف الاستثمار في البنية التحتية الصناعية لمثل هذه المشاريع مجدية. ركزت السعودية في ذلك الوقت على هدفين استراتيجيين، كليهما يعتمدان على النفط، الميزة الأساسية والأهم لدى الاقتصاد السعودي. الأولى هي تعظيم هامش الربح للثروة النفطية عبر الاستثمار في الصناعات التحويلية، والثاني كان في دعم الطلب على النفط عن طريق تصنيع وتسويق مشتقاته. نتيجة التركيز على ميزة السعودية النسبية في بناء قاعدتها الصناعية الأولى كانت نجاحا منقطع النظير هائلا تمثل في مدينتي الجبيل وينبع. ولكن هذه السياسة لم تستمر نظرا لدخول النفط في دورة هابطة قلصت إيرادات الدولة بشكل كبير، لدرجة أن الصناعة البتروكيماوية بدأت في التراجع في مجال البحث والتطوير بعدما ركنت إلى الدعم الحكومي.

كان علينا في المرحلة التالية لبناء صناعة البتروكيماويات أن نعمل بشكل أكثر جدية وحماسة على تقليص اعتمادنا على الدعم الحكومي بكل أشكاله. فنحن لم نؤسس هذه المصانع ونستثمر في البنية التحتية الهائلة للوقوف عندها. فهي ليست ذات بعد استهلاكي محلي ولا هي من الصناعات التي تولد الوظائف بكثافة عالية. ولذلك متى بدأت الجدوى الاقتصادية الناتجة عن مدخلات هذه الصناعة من نفط وغاز بالتراجع في مجال المنافسة عالميا، كان بالأحرى البدء بإعادة هيكلة الصناعة برمتها قبل أن ترتفع تكاليف هذه العملية. فمن غير المنطقي استمرارنا بإمداد مصانع البتروكيماويات بلقيم الغاز بأسعار تفضيلية، بينما نقوم بإحراق النفط – الأقل كفاءة في توليد الكهرباء من الغاز – لمجرد تمكين صناعة البتروكيماويات من الاستمرار في المنافسة. ولذلك كان الإعلان عن مراجعة الدعم الحكومي للمحروقات واللقيم بمثابة خطوة تصحيحية قسرية لمسار القاعدة الصناعية في السعودية.

الاقتصاد السعودي بحاجة لأخذ خطوة جديدة نحو تطوير قاعدته الصناعية بما يتناسب مع المرحلة الراهنة وأهداف «الرؤية». فمعطيات اليوم تقول إن لدينا كتلة سكانية هائلة، خصوصا عند أخذ دول الجوار الخليجي والعمق الإفريقي في الحسبان. إضافة إلى ذلك، يمكن استثمار قاعدة الصناعات البتروكيماوية كمدخلات أولية للصناعات القادمة. وهكذا أصبح بناء الصناعات الاستهلاكية المتوسطة وصناعة السلع المعمرة مثل الأجهزة الكهربائية مجديا من الناحية الاقتصادية. وتكون بذلك هذه الخطوة هي المرحلة المنطقية لاستخدام منتجات صناعة البتروكيماويات من البلاستيك وغيره من المواد الأولية المصنعة. يبقى علينا بعد ذلك دعم منتجات هذه الصناعة محليا وعالميا كما فعلنا مع منتجات صناعة التزييت والتشحيم، بحيث أصبحت زيوت المحركات السعودية من الأفضل عالميا. يترافق مع ذلك نشر ثقافة تفضيل المنتج السعودي على غيره بهدف دعم الصناعة الوطنية. قد نحتاج في البداية إلى محفزات اقتصادية للمستهلكين المحليين، حتى يتشرب المجتمع هذه الثقافة. وقتها سنجني فوائد تطوير المرحلة الجديدة من قاعدتنا الصناعية.
نقلا عن الاقتصادية

مقالات الكاتب