الوعي المالي .. لا مجال للتفريط فيه

يعتقد بعضنا أن إطلاق رأيه الشخصي حول التطورات الاقتصادية الأخيرة، سواء أثرت في حياته بطريقة واضحة أو لم يشعر بها بعد، يعني إدراكه الجيد لهذه المتغيرات؛ وهو مستعد للدفاع عن رأيه وأحكامه في كل مجلس ومنتدى، على الرغم من النقص المعلوماتي الذي يلازم كثيرا من هذه التطورات. وعلى النقيض تماما، يخالفه آخرون بالتزام الصمت والتجاهل التام لكل ما يحصل حولهم. كلا الطرفين يبتعد عن الزاوية الأهم التي تستحق كل التركيز والتنبه، تحديدا: كيف نتعامل شخصيا – من النواحي المالية والاستهلاكية – مع هذه المتغيرات وما يتعلق بذلك اجتماعيا ونفسيا ومعرفيا؟ هل نعرف ما يتاح لنا اليوم من حلول وأدوات تحسن من مرونتنا الاقتصادية على مستوى الفرد والأسرة وتعود بالنفع على المدى الطويل؟ وكيف نعجل من استغلالها على الوجه الأمثل، بحيث نخفف من احتمالية الوقوع في الأزمات أو نخفف من وطأتها؟

بدلا من أن نتناقش حول خلفية هذه المتغيرات، وماذا كان وماذا يجب أن يكون، من اللازم أن نقوم ببناء شبكة الحماية بأسرع وقت ممكن!

لا يعد التباطؤ الاقتصادي خبرا جيدا في معظم الأحيان، فالنمو هو أهم استراتيجية للإنسان لتحقيق البقاء، والتباطؤ يعكس نموا ضعيفا وربما يتحول إلى الركود. يمكننا النمو من التكيف الطبيعي مع تحديات الحياة. لذلك يعد التباطؤ الاقتصادي، وكل تباطؤ في تطوير وإبداع سبل الحياة، تهديدا مباشرا للبقاء يثير القلق ويبعث على الشعور بعدم الاستقرار. وبغض النظر عن التعريف الدقيق للوضع الاقتصادي العام في المملكة، نجد أن الجهود الدافعة لزيادة الكفاءة واضحة جدا، وكل الخطوات التي رأيناها حتى الآن لا تعد إلا البداية لقائمة طويلة من التغييرات القابلة للنجاح والفشل. وسواء اتفقنا أو لم نتفق على الآليات والوسائل المستخدمة، يجب ألا تتعطل جهودنا الشخصية في التفاعل الإيجابي مع التطورات الاقتصادية.

 

من المشجع رؤية مزيد من الأحاديث التي تذكر كلمات مثل “الادخار” و”زيادة مصادر الدخل” في إشارة إلى الالتفات إلى جوانب الوعي المالي الشخصي المهمة جدا، عوضا عن قصر الحديث على المبالغة في تحليل الأحداث الاقتصادية وبعض النقاشات التي لا تفيد. لا يشبه الحديث عن سوق الأسهم وقضاياها، أو أسعار البترول وآثارها، أو حتى البطالة وتأثيرها الحديث عن المدخرات والمداخيل والمصاريف على المستوى الشخصي. الحديث الاقتصادي العام دائما يكون غير موضوعي، ومملوءا بالمغالطات ويدفع به المتخصصون وغير المتخصصين الذين يشوهون المفاهيم الاقتصادية أو يؤثرون في الحالة النفسية والمالية للأفراد بأساليب غير عادلة. في المقابل، تقوم مفاهيم الوعي المالي الإيجابية بتحسين حياة الأفراد بطريقة مباشرة، بغض النظر عن وضعهم الحالي سواء كانوا في أقصى درجات الفقر أو الغنى.

 

نحن لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، ولكن هذا لا يعني أن نهدر أوقاتنا في تبادل ملامح الغموض بتفسيرات متناقضة تفتقر إلى الموضوعية، وإنما أن نعمل بقدر الإمكان على تحويل ما نستطيع من الغموض بالتخطيط المبكر إلى استعداد جيد ومدروس. على الأقل في حالة الفشل والتعثر لن نشعر بالندم بسبب التقصير. تحسين الوضع الاقتصادي ورفع الإنتاجية على مستوى دولة كاملة لا يعني استمرار حالتنا التي كنا ننعم بها. كل عملية تحسين تخضع للتكاليف والمشقات، ولا يتجاوزها بارتياح إلا من يتعاطى معها بالطريقة التي تجنبه المخاطر، أي بممارسة السلوكيات المالية الجيدة كالتخطيط المبكر والادخار وضبط الاستهلاك وزيادة مصادر الدخل.

 

ممارستنا الإيجابية والتفاؤل لا تتعارض مع حق النقد المسؤول والتقييم المتخصص كل في مجال اختصاصه، بل هي مطلب ومسؤولية يتوقع الالتزام بها والالتزام بأدبياتها من صدق وموضوعية وخلاف ذلك. ولكن التوازن أيضا مطلوب، فالتعبير عن الحالة العامة لا يكون على حساب الوعي الشخصي، الذي سيعود بأثره الإيجابي على الحالتين العامة والخاصة على السواء.
نقلا عن الاقتصادية

مقالات الكاتب