"سوداح" - يمنيون في بلاد الشام ارتحلوا إلى فنزويلا ! (1)


*كاتب وصحفي أردني حائز على أوسمة عديدة وشهادات تقدير من رؤساء الدول الحليفة والصديقة، ورئيس هيئات صداقة دولية.


تَعود شجرة عائلة "سوداح" إلى اليمن، وبالذات لمنطقة "سد مأرب" التاريخي. لم يتم توثيق تاريخ هذه العائلة ورقيًا في الصُحف والكُتب، ولهذا بقيت حاضرة يتم تداولها من جيل سوداحي إلى أخر من خلال الموروثات الشفهية من أب لإبنه. شخصيًا، ورثت شذرات من تاريخ عائلتي من فِيِهِ أبي المرحوم موسى سالم موسى سوداح (صَدَّاح)، والذي أكد فيها مرارًا وتكرارًا على الأصل الأول للعائلة، الذي يَعود إلى اليمن بالذات.
في يوميات والدي الذي ورِث تاريخ الأسرة عن أبيه، جَدي "سالم"، تحدّث عن أن أحوال المنطقة التي سكنتها العائلة واعتاشت على زرعها والحلال الكبير الذي رَعَى فيها، لا سيّما وأن الماء كان آنَذاك وفيرًا في تلكم الإقليم الجميل الذي حباه المولى العظيم بحمايته وحدبه ورعايته، لكن تلك الرقاع الأرضية قد تعرضت قبل نحو 200 سنة إلى عاصفة مَحْل، وجَدْب، فكان أن ساد جَفاف، وحلَّت أزْمَة طعام وبُؤْس على الجميع الذين عانوا هناك من شَظَف الحياة وشِدَّة القَحْط والفَقر، وجاع عدد غير قليل من الناس في تلك الفيافي اليمنية التي توطن فيها البشر، فاضطر أبناء العشيرة السوداحية الصغيرة إلى مغادرة أحوازهم اليمنية متوجهين صوب الشمال عبر الصحارى والسهول وعبروا الجبال، فدخل جزء منهم فلسطين الجنوبية والوسطى، وتمركزوا في ضواحي مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة حاليًا. في حين توزّع جزء منهم في جنوب الأردن (شرقي الأردن)، وكان بين طرفي العائلة – العشيرة في المكانين الفلسطيني والأردني علاقات قوية ومُصَاهَرة، وتبادل المنافع والمساندة المتبادلة، وكل هذه أدَّت إلى تثبيت السوداحيين في هذه البقاع الشامية الكبيرة والقليلة السكان، التي كانت آنذاك خاضعة للحكم العثماني.


خلال السنوات الطويلة المَطوية، ظهرت مرادفات عديدة لكُنية العائلة، فمِن "سوداح" تفرَّعَت كُنى منها صوداح، صادح، صدَّاح (أي، صاحب الصوت الرخيم لكون أحد أجدادي كان شهيرًا بالغناء)، صَيدح، سِنداحة وغيرها من المرادفات التي ظهرت وتكاثرت تبعًا لظروف العائلات السوداحية التي غدت بعيدة عن بعضها البعض في بلاد الشام الواسعة (فلسطين، الأردن، سورية)، إذ تفرّقت الأُسر، وتباعدت وتحوصلت على ذواتها، وبالتالي ضعف ترابطها ببعضها البعض. بعض السوداحيين يفسِّرون هذا الأمر الواقع الذي خيَّم على آل سوداح بسبب شح الأعمال والأشغال لديهم في أوطانهم الشمالية الجديدة، ولقلة أعدادهم بالمقارنة مع العشائر والقبائل الشامية الأخرى. 


سبق وان كتبت ونشرت العديد من المقالات عن عائلة سوداح، في جرائد أردنية يومية بعضها توقف عن الصدور والاخرى تواصِلُ النشر، منها "الأنباط" اليومية الورقية الشهيرة التي أنشر فيها دون توقف، بالإضافة إلى صحيفتا "الدستور" و "الرأي". في بعض المنشور بقلمي عن الشخصيات الشهيرة من العائلة، مواد عن الشاعر والصحفي والكاتب والأديب جورج صيدح (سوداح)، الشخصية المتميَّزة. فبالرغم من هذه السنوات الطويلة على رحيله، إلا أنه ما يزال يَصدح بشعره في عالم العرب والعربية، وتستذكره دول شقيقة وصديقة، ومجالس الأُدباء والكتّاب والمهجريين العروبيين، ودوائر القلميين في أمريكا اللاتينية وأوروبا.


كتبت صحيفة «اللواء» اللبنانية ذات يوم، أن جورج صيدح أبصر النور في حيّ زقاق الصواف بدمشق، سنة 1893. كان والده قاضياً في محكمة الاستئناف هناك، طوال ثلاثين عاماً، وأدخله ذووه إحدى المدارس الابتدائية في حارة الكنيسة المَريمية سنة 1899، فقضى في هذه المدرسة عاماً واحداً فقط. ثم دخل (المدرسة الآسية)، ومكث فيها حتى عام 1909. وكان من الأذكياء والنوابغ في اللغة العربية، وغير مُحب للدروس واللغات الأخرى.


عاش أديبنا جورج بن ميخائيل بن موسى صيدح في لبنان ردحاً من الزمن، بعد أن كانت عائلات من عشيرته قد غادرت مدينة الكرك الى الشمال الشامي، واشتهر بكونه واحداً من أبرز أعلام أدب المَهجر، وكرّس حياته من أجل فلسطين، ولديه ابنة وحيدة (جاكلين)، تزوجت من (حنا غصن)، صاحب مجلة «الديار» اللبنانية، وأتمنى اللقاء بها.


جاء في مقالاتي كذلك:  يَنتمي صيدح الى عشيرة سوداح الكبيرة التي تعود بأصلها الى منطقة مأرب اليمنية. وسكن وعاش ردحاً طويلاً في الشام ولبنان، وارتحل الى عدة دول، منها فنزويلا، حيث ساهم بدور كبير في تأسيس الروابط القلمية للأدباء العرب في المَهاجِر الامريكية، والتي كان لها باع طويل في نشر العربية الجميلة، وحضارة الأُمة وقضاياها في أمريكا الجنوبية. تذكرتُ جورج وقِصص المرحوم أبي عنه، بخاصة تاريخه الفنزويلي واللاتيني، عندما دعاني سعادة الصديق (عمر فيالما اوسونا)، سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية الجديد لدى المملكة الأُردنية الهاشمية، لحضور ندوة ذات إفادة كبيرة بعنوان: "فكر بوليفار وتشافيز في الثورة البوليفارية" السلمية، واستمعت للندوة باهتمام، إذ أنني ارتحلت خلالها إلى المواقع الفنزويلية التي عاش فيها الراحل صيدح والصداحين من نوابغ آل سوداح. 
يتبع.
...///...

 

مقالات الكاتب